مصطفى الموسوي صاحب الموقع
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 151 نقاط : 465 تاريخ الميلاد : 01/04/1984 تاريخ التسجيل : 26/01/2011
| موضوع: اثر الغسل معنويا فقه الاخلاق الأحد مارس 27, 2011 1:24 pm | |
|
اثر الغسل معنويا
من كتاب فقه الاخلاق
للشهيد المولى المقدس محمد محمد صادق الصدر رضوان الله تعالى عليه
(مؤشر عليه بلون الازرق والاحمر يرجى الالتفات له ) تحتوي فكرة الأغسال الواجبة من الجانب المعنوي أو الأخلاقي على تطهير الجسد كلِّه مما علق به من دنس الحدث الأكبر، وهو بإزاء الذنوب الكبيرة.
فإنه كما انَّ الحدث مقسمٌ إلى كبيرٍ وصغيرٍ، أو أكبر وأصغر، فإنَّ الذنوب مقسمةٌ إلى أكبر وأصغر أيضاً، فيكون الحدث الأكبر مشبهاً للذنب الأكبر، والحدث الأصغر مشبهاً للذنب الصغير أو المعصية الصغيرة، وكلها من نوع الأدناس في الفهم الشرعيِّ والمتشرعيِّ على أيَّة حال، وآثارها على النفس غير محمودة، فينبغي المبادرة إلى إزالتها.
أو قل: إنها غير محمودةٍ لا سبباً ولا نتيجةً. وكلامنا الآن عن أنَّ الحدث بكلِّ أشكاله لا يكون إلا عن شهوةٍ أو منقصة، فالأحداث الصغيرة ـ غيرَ النوم ـ ناتجةٌ عن الجهاز الهضمي، ومن المعلوم أنَّ عامة الأكل والشرب غير الضروري ناتجٌ عن شهوةٍ ولذة. أما النوم بصفته حدثاً أصغر فهو ناتجٌ أيضاً عن شهوةٍ ولذة، والضروريُّ منه ناتجٌ عن منقصةٍ، أعني عدم تحمل السهر أو عدم إمكانه، وكذلك الضروريُّ من الطعام والشراب ناتجٌ عن منقصة، وهي عدم تحمل الجوع أو عدم إمكان استمراره.
وكذلك الأحداث الكبيرة، فإنَّ حصول الجنابة عن الشهوة الجنسية أوضح من الشمس وأبين من الشمس، وأما أحداث الدم بأنواعها عند المرأة، فإنها عن منقصةٍ في التركيب الطبيعيِّ لجسمها، أرادها الله سبحانه لها لمصلحةٍ في علمه وحكمته، والمرتكز متشرعياً ودينياً أنها لو لم تكن ناقصةً لما حدث فيها دم.
أما تغسيل الأموات، فله عدة وجوهٍ محتملة، نذكر منها اثنين: وهما لا يخرجان عن القاعدة التي عرفناها: الوجه الأول: أن يكون الموت نفسه حدثاً للفرد، أو منقصةً له، وحيث لا يمكن تلافيه بإرجاع الحياة، أمكن تلافيه بما أمرت به الشريعة من الغسل. بل ظاهر الشريعة: انه أشدُّ منقصةً من غيره، لأنه لا يطهر إلا بثلاثة أغسال، في حين يطهر الفرد من الأحداث الأخرى بغسلٍ واحد. وكون الموت منقصةً ليس غريباً، بعد وضوح كونه سلباً لكلِّ فعاليات الحياة، إلى حدٍّ أصبح لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وأصبحت جـثـتـه من قبيل الأقذار التي يجب إبعادها أو العورة التي يجب سترها، ومن هنا سميت بالسوءة في القرآن الكريم بقوله تعالى: يُوارِي سَوءةَ أَخيهِ الوجه الثاني: انَّ الميت مقبلٌ على مواجهة الآخرة، لأنَّ الموتَ هو آخر الدنيا وأوَّل الآخرة، فينبغي أن يتخفَّف من الأثقال التي لحقته في الدنيا، ويتطهر من الأدناس والأرجاس التي تحملها منها، وذلك يكون بالأغسال، وكلَّما كانت الأغسال أكثر، كان التطهير آكد. وعلى أيِّ حال، فهذه وجوهٌ من [الحكمة] التي ندركها للأحكام الفقهية، وليست [علَّةً] لها على المصطلح الفقهي، ولذا وجب تغسيل من لا منقصةَ فيه كالمعصومين. أما غُسْلُ مسِّ الميت، فيبدو من ظاهر الشريعة أنه مجردُ تعبُّد، وليس أنَّ المسَّ يحدث حدثاً في الحيّ. نعم، يمكن أن يقال: إنَّ الغالب في المسِّ أن يكون بشهوةٍ ناتجةٍ عن الحزن على الموت، أو الشوق إلى الميت، أو الحرص على عدم ابتعاده عن أهله ونحو ذلك، فيكون الغسل لازماً على هذا الأساس. تبقى الإشارة إلى ما ندركه من الفرق بين الحدث الأكبر والأصغر، ويبدو أنَّ ما ورد [من أنَّ الجنابة تخرج من كلِّ البدن]، هو مفتاح الحلِّ في المقام، فالحدث الأكبر يخرج من كلِّ البدن، فيجب غسله كلُّه. والحدث الأصغر يخرج من عضوه المعيَّن فلا يجب إلا غسل أعضاء معينة في الوضوء. وهذا واضح في الجنابة، لأنَّ الجسم كلَّه يتكهرب بالشهوة، ويكون على حالٍ أخرى خارجةٍ عن مساره الإعتيادي، كما إنه واضحٌ في الموت، لأنَّ الجسم كلَّه يموت. وكذلك لا ينبغي أن يكون خفياً في الدماء الثلاثة، لأنَّ الدم موزعٌ في الجسم كلِّه، وخروجه من موضعٍ معينٍ إنما يعني خروجه من الجسم كلِّه عن طريق هذا المجرى. ولا ينبغي أن يخطر في الذهن: أنَّ الدم يخرج من الرحم لا من الجسم كلِّه، فإننا نجيب: انَّ الرحم إنما جمع الدم من الجسم، وليس دمه مستقلاً عن دم الجسم. بقي الإلماع إلى أمرين: الأمر الأول: إنه في مسِّ الميت هل يحدث نقصٌ في الجسم كلِّه ليجب غسله كلُّه أم لا؟. ويمكن أن يجاب ذلك بأحد وجهين: الوجه الأول: ما قلناهُ من أنَّ غسل مسِّ الميت ثابتٌ بالتعبُّد، وخارجٌ عن معنى الحدث الأكبر. الوجه الثاني: انَّ التأثير هنا يكون معنوياً أو روحياً، لا جسدياً أو نفسياً، بمعنىً معينٍ لا حاجة إلى الإفاضة فيه. الأمر الثاني: انَّ الأحداث الصغيرة الموجبة للوضوء ذاتُ ارتباطٍ بعضوٍ معين، هو إما العضو الظاهري، وإما الجهاز الهضمي، وغير مربوطٍ ارتباطاً أساسياً بغيره من الأعضاء، أو قل إنه لا يخرج من الجسم كلِّه. إلا أنَّ حدثاً واحداً صغيراً يبقى، يبدو أنه يحصل في الجسم كلِّه وهو النوم، فكانت هذه [الحكمة] المشار إليها تقتضي فيه الغسل وليس الوضوء. ويمكن أن يجاب عن ذلك بأحد وجوه: الوجه الأول: إنَّ ما قلناهُ إنما هو من قبيل [الحكمة] لا [العلة]، والحكمة قد تختلف أحياناً بخلاف العلة، كما ثبت في الفقه، فيمكن هنا التعبُّد بالوضوء بالرغم من سيطرة النوم على الجسم كلِّه. الوجه الثاني: إنَّ الظاهر أنَّ النوم يسيطر على الجسم كلِّه، إلا أنه في الواقع ليس كذلك، بل هو يسيطر على الشعور فقط، أو قل على المخّ، ويكون باقي التأثير من باب التسبيب. الوجه الثالث: إنه يستفاد من عدة ألسنةٍ وبياناتٍ في السنة الواردة، ليس هنا محلُّ تعدادها، يستفاد: أنَّ الحدث ليس هو النوم بل هو الإستيقاظ منه، وإنما أشير إلى النوم باعتباره الملازم المساوي مع الإستيقاظ. ومن الواضح أنَّ الإستيقاظ كمالٌ وليس نقصاً، لنقول: انه مؤثرٌ على جزء البدن أو كلِّه، فهو لا يؤثر بالنقص على أيِّ شيء، ويكون وجوب الوضوء عنده أو اعتباره حدثاً أمراً تعبدياًً صرفاً. | |
|